فصل: باب الْحَذَرِ مِنْ الْغَضَبِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب الْحَذَرِ مِنْ الْغَضَبِ

لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ وَقَوْلِهِ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الحذر من الغضب لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون‏)‏ وقوله عز وجل‏:‏ ‏(‏الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ‏)‏ الآية‏)‏ كذا لأبي ذر، وساق في رواية كريمة إلى قوله‏:‏ ‏(‏المحسنين‏)‏ وكأنه أشار بالآية الثانية إلى ما ورد في بعض طرق الحديث الأول في الباب فعند أنس ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يصطرعون فقال‏:‏ ما هذا‏؟‏ قالوا‏:‏ فلان ما يصارع أحدا إلا صرعه، قال‏:‏ أفلا أدلكم على من هو أشد منه‏؟‏ رجل كلمه رجل فكظم غيظه فغلبه وغلب شيطانه وغلب شيطان صاحبه ‏"‏ رواه البزار بسند حسن، وليس في الآيتين دلالة على التحذير من الغضب إلا أنه لما ضم من يكظم غيطه إلى من يجتنب الفواحش كان في ذلك إشارة إلى المقصود‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏ليس الشديد بالصرعة‏)‏ بضم الصاد والمهملة وفتح الراء‏:‏ الذي يصرع الناس كثيرا بقوته، والهاء للمبالغة في الصفة، والصرعة بسكون الراء بالعكس وهو من يصرعه غيره كثيرا، وكل ما جاء بهذا الوزن بالضم وبالسكون فهو كذلك كهمزة ولمزة وحفظة وخدعة وضحكة، ووقع بيان ذلك في حديث ابن مسعود عند مسلم وأوله ‏"‏ ما تعدون الصرعة فيكم‏؟‏ قالوا‏:‏ الذي لا يصرعه الرجال ‏"‏ قال‏.‏

ابن التين‏:‏ ضبطناه بفتح الراء‏.‏

وقرأه بعضهم بسكونها، وليس بشيء لأنه عكس المطلوب، قال‏:‏ وضبط أيضا في بعض الكتب بفتح الصاد وليس بشيء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب‏)‏ في رواية أحمد من حديث رجل لم يسمه شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏"‏ الصرعة كل الصرعة - كررها ثلاثا - الذي يغضب فيشتد غضبه ويحمر وجهه فيصرع غضبه‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ قَالَ اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ وَأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ مُغْضَباً قَدْ احْمَرَّ وَجْهُهُ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ لَوْ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ فَقَالُوا لِلرَّجُلِ أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنِّي لَسْتُ بِمَجْنُونٍ

الشرح‏:‏

حديث سليمان بن صرد، تقدم شرحه في باب السباب واللعن‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ هُوَ ابْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي حَصِينٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصِنِي قَالَ لَا تَغْضَبْ فَرَدَّدَ مِرَاراً قَالَ لَا تَغْضَبْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني يحيى بن يوسف‏)‏ هو الزمي بكسر الزاي وتشديد الميم، لم أر له في البخاري رواية إلا عن أبي بكر بن عياش، وأبو حصين بفتح أوله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي صالح عن أبي هريرة‏)‏ خالفه الأعمش فقال‏.‏

عن أبي صالح عن أبي سعيد ‏"‏ أخرجه مسدد في مسنده عن عبد الواحد بن زياد عن الأعمش، وهو على شرط البخاري أيضا لولا عنعنة الأعمش‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن رجلا‏)‏ هو جارية بالجيم ابن قدامة أخرجه أحمد وابن حبان والطبراني من حديثه مبهما ومفسرا، ويحتمل أن يفسر بغيره، ففي الطبراني من حديث سفيان بن عبد الله الثقفي ‏"‏ قلت يا رسول الله قل لي قولا أنتفع به وأقلل، قال‏:‏ لا تغضب، ولك الجنة ‏"‏ وفيه عن أبي الدرداء ‏"‏ قلت‏:‏ يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة، قال‏:‏ لا تغضب ‏"‏ وفي حديث ابن عمر عند أبي يعلى ‏"‏ قلت يا رسول الله قل لي قولا وأقلل لعلي أعقله‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أوصني‏)‏ في حديث أبي الدرداء ‏"‏ دلني على عمل يدخلني الجنة ‏"‏ وفي حديث ابن عمر عند أحمد ‏"‏ ما يباعدني من غضب الله ‏"‏ زاد أبو كريب عن أبي بكر بن عياش عند الترمذي ‏"‏ ولا تكثر علي لعلي أعيه ‏"‏ وعند الإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة عن أبي بكر بن عياش نحوه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فردد مرارا‏)‏ أي ردد السؤال يلتمس أنفع من ذلك أو أعم فلم يزده على ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال لا تغضب‏)‏ في رواية أبي كريب ‏"‏ كل ذلك يقول لا تغضب ‏"‏ وفي رواية عثمان بن أبي شيبة قال ‏"‏ لا تغضب ثلاث مرات ‏"‏ وفيها بيان عدد المرار، وقد تقدم حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم كان يعيد الكلمة ثلاثا لتفهم عنه، وأنه كان لا يراجع بعد ثلاث، وزاد أحمد وابن حبان في رواية عن رجل لم يسم قال ‏"‏ تفكرت فيما قال فإذا الغضب يجمع الشر كله ‏"‏ قال الخطابي معنى قوله ‏"‏ لا تغضب ‏"‏ اجتنب أسباب الغضب ولا تتعرض لما يجلبه‏.‏

وأما نفس الغضب فلا يتأتى النهي عنه لأنه أمر طبيعي لا يزول من الجبلة‏.‏

وقال غيره‏:‏ ما كان من قبيل الطبع الحيواني لا يمكن دفعه، فلا يدخل في النهي لأنه من تكليف المحال، وما كان من قبيل ما يكتسب بالرياضة فهو المراد‏.‏

وقيل معناه لا تغضب لأن أعظم ما ينشأ عنه الغضب الكبر لكونه يقع عند مخالفة أمر يريده فيحمله الكبر على الغضب، فالذي يتواضع حتى يذهب عنه عزة النفس يسلم من شر الغضب‏.‏

وقيل‏:‏ معناه لا تفعل ما يأمرك به الغضب‏.‏

وقال ابن بطال‏:‏ في الحديث الأول أن مجاهدة النفس أشد من مجاهدة العدو، لأنه صلى الله عليه وسلم جعل الذي يملك نفسه عند الغضب أعظم الناس قوة‏.‏

وقال غيره‏:‏ لعل السائل كان غضوبا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر كل أحد بما هو أولى به، فلهذا اقتصر في وصيته له على ترك الغضب‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ جمع صلى الله عليه وسلم في قوله ‏"‏ لا تغضب ‏"‏ خير الدنيا والآخرة لأن الغضب يؤول إلى التقاطع ومنع الرفق، وربما آل إلى أن يؤذي المغضوب عليه فينتقص ذلك من الدين‏.‏

وقال البيضاوي‏:‏ لعله لما رأى أن جميع المفاسد التي تعرض للإنسان إنما هي من شهوته ومن غضبه، وكانت شهوة السائل مكسورة فلما سأل عما يحترز به عن القبائح نهاه عن الغضب الذي هو أعظم ضررا من غيره، وأنه إذا ملك نفسه عند حصوله كان قد قهر أقوى أعدائه انتهى‏.‏

ويحتمل أن يكون من باب التنبيه بالأعلى على الأدنى، لأن أعدى عدو للشخص شيطانه ونفسه، والغضب إنما ينشأ عنهما، فمن جاهدهما حتى يغلبهما مع ما في ذلك من شدة المعالجة كان لقهر نفسه عن الشهوة أيضا أقوى‏.‏

وقال ابن حبان بعد أن أخرجه‏:‏ أراد لا تعمل بعد الغضب شيئا مما نهيت عنه، لا أنه نهاه عن شيء جبل عليه ولا حيلة له في دفعه‏.‏

وقال بعض العلماء‏:‏ خلق الله الغضب من النار وجعله غريزة في الإنسان، فمهما قصد أو نوزع في غرض ما اشتعلت نار الغضب وثارت حتى يحمر الوجه والعينان من الدم، لأن البشرة تحكي لون ما وراءها، وهذا إذا غضب على من دونه واستشعر القدرة عليه، وإن كان ممن فوقه تولد منه انقباض الدم من ظاهر الجلد إلى جوف القلب فيصفر اللون حزنا، وإن كان على النظير تردد الدم بين انقباض وانبساط فيحمر ويصفر ويترتب على الغضب تغير الظاهر والباطن كتغير اللون والرعدة في الأطراف وخروج الأفعال عن غير ترتيب واستحالة الخلقة حتى لو رأى الغضبان نفسه في حال غضبه لكان غضبه حياء من قبح صورته واستحالة خلقته، هذا كله في الظاهر، وأما الباطن فقبحه أشد من الظاهر، لأنه يولد الحقد في القلب والحسد وإضمار السوء على اختلاف أنواعه، بل أولى شيء يقبح منه باطنه، وتغير ظاهره ثمرة تغير باطنه، وهذا كله أثره في الجسد، وأما أثره في اللسان فانطلاقه بالشتم والفحش الذي يستحي منه العاقل ويندم قائله عند سكون الغضب ويظهر أثر الغضب أيضا في الفعل بالضرب أو القتل، وإن فات ذلك بهرب المغضوب عليه رجع إلى نفسه فيمزق ثوبه ويلطم خده، وربما سقط صريعا، وربما أغمي عليه، وربما كسر الآنية وضرب من ليس له في ذلك جريمة‏.‏

ومن تأمل هذه المفاسد عرف مقدار ما اشتملت عليه هذه الكلمة اللطيفة من قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏لا تغضب ‏"‏ من الحكمة واستجلاب المصلحة في درء المفسدة مما يتعذر إحصاؤه والوقوف على نهايته، وهذا كله في الغضب الدنيوي لا الغضب الديني كما تقدم تقريره في الباب الذي قبله، ويعين على ترك الغضب استحضار ما جاء في كظم الغيظ من الفضل، وما جاء في عاقبة ثمرة الغضب من الوعيد، وأن يستعيذ من الشيطان كما تقدم في حديث سليمان بن صرد، وأن يتوضأ كما تقدمت الإشارة إليه في حديث عطية، والله أعلم‏.‏

وقال الطوفي‏:‏ أقوى الأشياء في دفع الغضب استحضار التوحيد الحقيقي، وهو أن لا فاعل إلا الله، وكل فاعل غيره فهو آلة له، فمن توجه إليه بمكروه من جهة غيره فاستحضر أن الله لو شاء لم يمكن ذلك الغير منه اندفع غضبه، لأنه لو غضب والحالة هذه كان غضبه على ربه جل وعلا وهو خلاف العبودية‏.‏

قلت‏:‏ وبهذا يظهر السر في أمره صلى الله عليه وسلم الذي غضب بأن يستعيذ من الشيطان لأنه إذا توجه إلى الله في تلك الحالة بالاستعاذة به من الشيطان أمكنه استحضار ما ذكر، وإذا استمر الشيطان متلبسا متمكنا من الوسوسة لم يمكنه من استحضار شيء من ذلك، والله أعلم‏.‏

*3*باب الْحَيَاءِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الحياء‏)‏ بالمد تقدم تعريفه في أول كتاب الإيمان، ووقع لابن دقيق العيد في ‏"‏ شرح العمدة ‏"‏ أن أصل الحياء الامتناع ثم استعمل في الانقباض، والحق أن الامتناع من لوازم الحياء ولازم الشيء لا يكون أصله، ولما كان الامتناع لازم الحياء كان في التحريض على ملازمة الحياء حض على الامتناع عن فعل ما يعاب، والحيا بالقصر المطر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي السَّوَّارِ الْعَدَوِيِّ قَالَ سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ فَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ مَكْتُوبٌ فِي الْحِكْمَةِ إِنَّ مِنْ الْحَيَاءِ وَقَاراً وَإِنَّ مِنْ الْحَيَاءِ سَكِينَةً فَقَالَ لَهُ عِمْرَانُ أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُحَدِّثُنِي عَنْ صَحِيفَتِكَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن قتادة‏)‏ كذا قال أكثر أصحاب شعبة، وخالفهم شبابة بن سوار فقال ‏"‏ عن شعبة عن خالد بن رباح ‏"‏ بدل قتادة، أخرجه ابن منده، ووقع نطير هذه القصة عن عمران بن حصين أيضا للعلاء من زياد أخرجه ابن المبارك في ‏"‏ كتاب البر والصلة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي السوار‏)‏ بفتح المهملة وتشديد الواو وبعد الألف راء اسمه حريث على الصحيح، وقيل حجير بن الربيع، وقيل غير ذلك ووقع في رواية محمد بن جعفر عن شعبة عبد مسلم ‏"‏ سمعت أما السوار‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الحياء لا يأتي إلا بخير‏)‏ في رواية خالد بن رباح عن أبي السوار عبد أحمد وكذلك في رواية أبي قتادة العدوي عن عمران عند مسلم ‏"‏ الحياء خير كله ‏"‏ وللطبراني من حديث قرة بن إياس ‏"‏ قيل لرسول الله‏:‏ الحياء من الدين‏؟‏ فقال‏:‏ بل هو الدين كله ‏"‏ وللطبراني من وجه آخر عن عمران بن حصين ‏"‏ الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بشير بن كعب‏)‏ بالموحدة والمعجمة مصغر تابعي جليل، يأتي ذكره في الدعوات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مكتوب في الحكمة‏)‏ في رواية محمد بن جعفر ‏"‏ أنه مكتوب في الحكمة ‏"‏ وفي رواية أبي قتادة العدوي عند مسلم ‏"‏ فقال بشير بن كعب إنا لنجد في بعض الكتب أو الحكمة ‏"‏ بالشك، والحكمة في الأصل إصابة الحق بالعلم، وسيأتي بسط القول في ذلك في ‏"‏ باب ما يجوز من الشعر ‏"‏ إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن من الحياء وقارا، وإن من الحياء سكينه‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ السكينة ‏"‏ بزيادة ألف ولام‏.‏

وفي رواية أبي قتادة العدوي، ‏"‏ إن منه سكينة ووقارا لله ‏"‏ وفيه ضعف، وهذه الزيادة متعينة ومن أجلها غضب عمران، وإلا فليس في ذكر السكينة والوقار ما ينافي كونه خيرا، أشار إلى ذلك ابن بطال، لكن يحتمل أن يكون غضب من قوله منه؛ لأن التبعيض يفهم أن منه ما يضاد ذلك، وهو قد روي أنه كله خير‏.‏

وقال القرطبي‏:‏ معنى كلام بشير أن من الحياء ما يحمل صاحبه على الوقار بأن يوقر غيره ويتوقر هو في نفسه‏.‏

ومنه ما يحمله على أن يسكن عن كثير مما يتحرم الناس فيه من الأمور التي لا تليق بذي المروءة، ولم ينكر عمران عليه هذا القدر من حيث معناه، وإنما أنكره عليه من حيث أنه ساقه في معرض من يعارض كلام الرسول بكلام غيره، وقيل إنما أنكر عليه كونه خاف أن يخلط السنة بغيرها‏.‏

قلت‏:‏ ولا يخفى حسن التوجيه السابق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وتحدثني عن صحيفتك‏)‏ في رواية أبي قتادة ‏"‏ فغضب عمران حتى احمرت عيناه وقال‏:‏ لا أراني أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعارض فيه ‏"‏ وفي رواية أحمد ‏"‏ وتعرض فيه بحديث الكتب ‏"‏ وهذا يؤيد الاحتمال الماضي، وقد ذكر مسلم في مقدمة صحيحه لبشير بن كعب هذا قصة مع ابن عباس تشعر بأنه كان يتساهل في الأخذ عن كل من لقيه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَجُلٍ وَهُوَ يُعَاتِبُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ يَقُولُ إِنَّكَ لَتَسْتَحْيِي حَتَّى كَأَنَّهُ يَقُولُ قَدْ أَضَرَّ بِكَ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنْ الْإِيمَانِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عبد العزيز بن أبي سلمة‏)‏ هو الماجشون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مر النبي صلى الله عليه وسلم على رجل يعظ أخاه في الحياء‏)‏ تقدم في أول كتاب الإيمان مع شرحه، ولم أعرف اسم الرجل ولا اسم أخيه إلى الآن، والمراد بوعظه أنه يذكر له ما يترتب على ملازمته من المفسدة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الحياء من الإيمان‏)‏ حكى ابن التين عن أبي عبد الملك أن المراد به كمال الإيمان‏.‏

وقال أبو عبيد الهروي‏:‏ معناه أن المستحي ينقطع بحياته عن المعاصي وإن لم يكن له تقية، فصار كالإيمان القاطع بينه وبين المعاصي‏.‏

قال عياض وغيره‏:‏ إنما جعل الحياء من الإيمان وإن كان غريزة لأن استعماله على قانون الشرع يحتاج إلى قصد واكتساب وعلم، وأما كونه خيرا كله ولا يأتي إلا بخير فأشكل حمله على العموم، لأنه قد يصد صاحبه عن مواجهة من يرتكب المنكرات ويحمله على الإخلال ببعض الحقوق‏.‏

والجواب أن المراد بالحياء في هذه الأحاديث ما يكون شرعيا، والحياء الذي ينشأ عنه الإخلال بالحقوق ليس حياء شرعيا بل هو عجز ومهانة، وإنما يطلق عليه حياء لمشابهته للحياء الشرعي، وهو خلق يبعث على ترك القبيح‏.‏

قلت‏:‏ ويحتمل أن يكون أشير إلى من كان الحياء من خلقه أن الخير يكون فيه أغلب فيضمحل ما لعله يقع منه مما يذكر في جنب ما يحصل له بالحياء من الخير، أو لكونه إذا صار عادة وتخلق به صاحبه يكون سببا لجلب الخير إليه فيكون منه الخير بالذات والسبب‏.‏

وقال أبو العباس القرطبي‏:‏ الحياء المكتسب هو الذي جعله الشارع من الإيمان، وهو المكلف به دون الغريزي، غير أن من كان فيه غريزة منه فإنها تعينه على المكتسب، وقد ينطبع بالمكتسب حتى يصير غريزيا، قال‏:‏ وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جمع له النوعان فكان في الغريزي أشد حياء من العذراء في خدرها، وكان في الحياء المكتسب في الذروة العليا صلى الله عليه وسلم انتهى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مَوْلَى أَنَسٍ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي عُتْبَةَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ يَقُولُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنْ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا

الشرح‏:‏

الحديث تقدم شرحه في ‏"‏ باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وقوله ‏"‏ عن مولى أنس ‏"‏ قال أبو عبد الله اسمه عبد الله بن أبي عتبة، كذا للأكثر، وحكى الجياني أنه وقع لبعض رواة الفربري عبد الله بدل عبد الرحمن، وأبو عبد الله المذكور هو البخاري، هكذا جزم بتسميته هنا، وتقدم كذلك مسمى هناك، وفي اسمه خلاف فقيل عبد الرحمن وقيل عبيد الله بالتصغير والمعتمد أنه عبد الله مكبرا، وقوله ‏"‏العذراء ‏"‏ بفتح المهملة وسكون الذال المعجمة ثم راء ومد هي البكر، والخدر بكسر المعجمة وسكون المهملة الموضع الذي تحبس فيه وتستتر، والله أعلم‏.‏

*3*باب إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا لم تستح فاصنع ما شئت‏)‏ كذا ترجم بلفظ الحديث وضمه في ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ إلى ترجمة الحياء‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏زهير‏)‏ هو ابن معاوية أبو خيثمة، ومنصور هو ابن المعتمر، والإسناد كله كوفيون، وقد تقدم الاختلاف فيه على ربعي في آخر ذكر بني إسرائيل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن مما أدرك الناس‏)‏ وقع في حديث حذيفة عند أحمد والبزار ‏"‏ إن آخر ما يعلق به أهل الجاهلية من كلام النبوة الأولى ‏"‏ والناس يجوز فيه الرفع، والعائد على ‏"‏ ما ‏"‏ محذوف، ويجوز النصب والعائد ضمير الفاعل، و ‏"‏ أدرك ‏"‏ بمعنى بلغ و ‏"‏ إذا لم تستح ‏"‏ اسم للكلمة المشبهة بتأويل هذا القول‏.‏

قوله ‏(‏فاصنع ما شئت‏)‏ قال الخطابي‏:‏ الحكمة في التعبير بلفظ الأمر دون الخبر في الحديث أن الذي يكف الإنسان عن مواقعة الشر هو الحياء فإذا تركه صار كالمأمور طبعا بارتكاب كل شر، وقد سبق هذا الحديث والإشارة إلى شرحه في ذكر بني إسرائيل في أواخر أحاديث الأنبياء، وأشير هنا إلى زيادة على ذلك، قال النووي في ‏"‏ الأربعين ‏"‏‏:‏ الأمر فيه للإباحة، أي إذا أردت فعل شيء فإن كان مما لا تستحي إذا فعلته من الله ولا من الناس فافعله وإلا فلا، وعلى هذا مدار الإسلام، وتوجيه ذلك أن المأمور به الواجب والمندوب يستحيي من تركه، والمنهي عنه الحرام والمكروه يستحيي من فعله، وأما المباح فالحياء من فعله جائز وكذا من تركه فتضمن الحديث الأحكام الخمسة‏.‏

وقيل هو أمر تهديد كما تقدم توجيهه، ومعناه إذا نزع منك الحياء فافعل ما شئت فإن الله مجازيك عليه، وفيه إشارة إلى تعظيم أمر الحياء، وقيل هو أمر بمعنى الخير، أي من لا يستحيي يصنع ما أراد‏.‏

*3*باب مَا لَا يُسْتَحْيَا مِنْ الْحَقِّ لِلتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما لا يستحيي من الحق للتفقه في الدين‏)‏ هذا تخصيص للعموم الماضي في الذي قبله أن الحياء خير كله، أو يحمل الحياء في الخبر الماضي على الحياء الشرعي فيكون ما عداه مما يوجد فيه حقيقة الحياء لغة ليس مرادا بالوصف المذكور‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحِي مِنْ الْحَقِّ فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ غُسْلٌ إِذَا احْتَلَمَتْ فَقَالَ نَعَمْ إِذَا رَأَتْ الْمَاءَ

الشرح‏:‏

حديث أم سلمة في سؤال أم سليم عن احتلام المرأة، وقد تقدم شرحه في كتاب الطهارة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَلَا يَتَحَاتُّ فَقَالَ الْقَوْمُ هِيَ شَجَرَةُ كَذَا هِيَ شَجَرَةُ كَذَا فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ هِيَ النَّخْلَةُ وَأَنَا غُلَامٌ شَابٌّ فَاسْتَحْيَيْتُ فَقَالَ هِيَ النَّخْلَةُ وَعَنْ شُعْبَةَ حَدَّثَنَا خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلَهُ وَزَادَ فَحَدَّثْتُ بِهِ عُمَرَ فَقَالَ لَوْ كُنْتَ قُلْتَهَا لَكَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر ‏"‏ مثل المؤمن مثل شجرة خضراء ‏"‏ أورده من وجهين، ومناسبته للترجمة من إنكار عمر على ابنه تركه قوله الذي ظهر له لكونه استحيي، وتمنيه أن لو كان قال ذلك، وقوله ‏"‏أحب إلي من كذا ‏"‏ أي من حمر النعم كما تقدم صريحا، وقد تقدم شرحه في كتاب العلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا مَرْحُومٌ سَمِعْتُ ثَابِتاً أَنَّهُ سَمِعَ أَنَساً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْرِضُ عَلَيْهِ نَفْسَهَا فَقَالَتْ هَلْ لَكَ حَاجَةٌ فِيَّ فَقَالَتْ ابْنَتُهُ مَا أَقَلَّ حَيَاءَهَا فَقَالَ هِيَ خَيْرٌ مِنْكِ عَرَضَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفْسَهَا

الشرح‏:‏

حديث أنس‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏مرحوم‏)‏ هو ابن عبد العزيز العطار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏جاءت امرأة‏)‏ لم أقف على تعيين اسمها، ‏"‏ فقالت ابنته ‏"‏ الضمير لأنس، واسم ابنته فيما أظن أمينة بنون مصغر، وقد تقدم شرح هذا الحديث في كتاب النكاح‏.‏

*3*باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا

وَكَانَ يُحِبُّ التَّخْفِيفَ وَالْيُسْرَ عَلَى النَّاسِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب قول النبي صلى الله عليه وسلم يسروا ولا تعسروا، وكان يحب التخفيف والتسري على الناس‏)‏ أما حديث يسروا فوصله في الباب، وأما الحديث الآخر فأخرجه مالك في الموطأ عن الزهري عن عروة عن عائشة فذكر حديثا في صلاة الضحى وفيه ‏"‏ وكان يحب ما خف على الناس ‏"‏ وفي حديث أيمن المخزومي عن عائشة في قصة الصلاة بعد العصر وفيه ‏"‏ وما كان يصليها في المسجد مخافة أن تثقل على أمته، وكان يحب ما خفف عليهم ‏"‏ وقد تقدم في ‏"‏ باب ما يصلى بعد العصر من الفوائت ‏"‏ من كتاب الصلاة، وقد وصل في الباب حديث أبي برزة وفيه ‏"‏ أنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم ورأى من تيسيره‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا النَّضْرُ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ لَمَّا بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَالَ لَهُمَا يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا وَتَطَاوَعَا قَالَ أَبُو مُوسَى يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا بِأَرْضٍ يُصْنَعُ فِيهَا شَرَابٌ مِنْ الْعَسَلِ يُقَالُ لَهُ الْبِتْعُ وَشَرَابٌ مِنْ الشَّعِيرِ يُقَالُ لَهُ الْمِزْرُ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ

الشرح‏:‏

حديث أبي موسى ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ولمعاذ لما بعثهما إلى اليمن‏:‏ يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا‏"‏‏.‏

وإسحاق في حديث أبي موسى هو ابن راهويه كما وقع في رواية ابن السكن، وجزم به أبو نعيم، وتردد الكلاباذي وتبعه أبو علي الجياني هل هو ابن راهويه أو هو ابن منصور‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا وَسَكِّنُوا وَلَا تُنَفِّرُوا

الشرح‏:‏

حديث أنس ‏"‏ يسروا ولا تعسروا وسكنوا ولا تنفروا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يسروا‏)‏ هو أمر بالتيسير والمراد به الأخذ بالتسكين تارة وبالتيسير أخرى من جهة أن التنفير يصاحب المشقة غالبا وهو ضد التسكين، والتبشير يصاحب التسكين غالبا وهو ضد التنفير، وقد تقدم بيان الوقت الذي بعث فيه أبو موسى ومعاذ رضي الله عنهما إلى اليمن في أواخر كتاب المغازي، وتقدم الكلام على البتع وهو يكسر الموحدة وسكون المثناة بعدها مهملة في كتاب الأشربة‏.‏

قال الطبري‏:‏ المراد بالأمر بالتيسير فيما كان من النوافل مما كان شاقا لئلا يفضي بصاحبه إلى الملل فيتركه أصلا، أو يعجب بعمله فيحبط فيما رخص فيه من الفرائض كصلاة الفرض قاعدا للعاجز والفطر في الفرض لمن سافر فيشق عليه، وزاد غيره في ارتكاب أخف الضررين إذا لم يكن من أحدهما بد كما في قصة الأعرابي حيث بال في المسجد‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْماً فَإِنْ كَانَ إِثْماً كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ بِهَا لِلَّهِ

الشرح‏:‏

حديث عائشة ‏"‏ ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين ‏"‏ الحديث، وقد تقدم شرحه في صفة النبي صلى الله عليه وسلم، قال البيضاوي‏:‏ يتصور التخيير بين ما فيه إثم وما لا إثم فيه إذا صدر من الكفار مثلا، وفيه توجيه آخر تقدم هناك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ الْأَزْرَقِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ كُنَّا عَلَى شَاطِئِ نَهَرٍ بِالْأَهْوَازِ قَدْ نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ فَجَاءَ أَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ عَلَى فَرَسٍ فَصَلَّى وَخَلَّى فَرَسَهُ فَانْطَلَقَتْ الْفَرَسُ فَتَرَكَ صَلَاتَهُ وَتَبِعَهَا حَتَّى أَدْرَكَهَا فَأَخَذَهَا ثُمَّ جَاءَ فَقَضَى صَلَاتَهُ وَفِينَا رَجُلٌ لَهُ رَأْيٌ فَأَقْبَلَ يَقُولُ انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخِ تَرَكَ صَلَاتَهُ مِنْ أَجْلِ فَرَسٍ فَأَقْبَلَ فَقَالَ مَا عَنَّفَنِي أَحَدٌ مُنْذُ فَارَقْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ إِنَّ مَنْزِلِي مُتَرَاخٍ فَلَوْ صَلَّيْتُ وَتَرَكْتُهُ لَمْ آتِ أَهْلِي إِلَى اللَّيْلِ وَذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى مِنْ تَيْسِيرِهِ

الشرح‏:‏

حديث أبي برزة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفينا رجل له رأي‏)‏ لم أقف على اسمه، وحكى ابن التين عن الداودي أن معنى قوله‏:‏ ‏"‏ له رأي ‏"‏ يظن أنه محسن وليس كذلك‏.‏

وقوله ‏"‏نضب عنه بالماء ‏"‏ بنون وضاد معجمة ثم موحدة أي زال، وقد تقدم في أواخر الصلاة بلفظ ‏"‏ فجعل رجل من الخوارج يقول ‏"‏ فهذا هو المعتمد، وأن المراد بالرأي رأي الخوارج، والتنوين فيه للتحقير، أي رأي فاسد وقد تقدم شرح الحديث هناك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَعْرَابِيّاً بَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَثَارَ إِلَيْهِ النَّاسُ ليَقَعُوا بِهِ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعُوهُ وَأَهْرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ ذَنُوباً مِنْ مَاءٍ أَوْ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة في قصة الأعرابي الذي بال في المسجد، وقد سبقت الإشارة إليه في ‏"‏ باب الرفق ‏"‏ وأن شرحه تقدم في كتاب الطهارة‏.‏

وفي هذه الأحاديث أن الغلو ومجاوزة القصد في العبادة وغيرها مذموم، وأن المحمود من جميع ذلك ما أمكنت المواظبة معه وأمن صاحبه العجب وغيره من المهلكات‏.‏

*3*باب الِانْبِسَاطِ إِلَى النَّاسِ

وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ خَالِطِ النَّاسَ وَدِينَكَ لَا تَكْلِمَنَّهُ وَالدُّعَابَةِ مَعَ الْأَهْلِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الانبساط إلى الناس‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ مع الناس‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن مسعود‏:‏ خالط الناس ودينك لا تكلمنه‏)‏ بفتح أوله وسكون الكاف وكسر اللام وفتح الميم من الكلم بفتح الكاف وسكون اللام وهو الجرح وزنا ومعنى، وروي بالمثلثة بدل الكافة والنون مشددة للتأكيد‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ ودينك ‏"‏ يجوز فيه النصب والرفع‏.‏

وهذا الأثر وصله الطبراني في الكبير من طريق عبد الله بن باباه بموحدتين عن ابن مسعود قال‏:‏ ‏"‏ خالطوا الناس وصافوهم بما يشتهون، ودينكم لا تكلمنه ‏"‏ وهذه بضم الميم للجميع‏.‏

وأخرجه ابن المبارك في كتاب البر والصلة من وجه آخر عن ابن مسعود بلفظ ‏"‏ خالطوا الناس وزايلوهم في الأعمال ‏"‏ وعن عمر مثله كمن قال‏:‏ ‏"‏ وانظروا ألا تكلموا دينكم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والدعابة مع الأهل‏)‏ هو بقية الترجمة معطوف على الانبساط بالجر، ويجوز أن يعطف على ‏"‏ باب ‏"‏ فيقرأ بالرفع، والدعابة بضم الدال وتخفيف العين المهملتين وبعد ألف موحدة هي الملاطفة في القول بالمزاح وغيره، وقد أخرج الترمذي وحسنه من حديث أبي هريرة قال قالوا يا رسول الله إنك تداعبنا، قال‏:‏ ‏"‏ إني لا أقول إلا حقا ‏"‏ وأخرج من حديث ابن عباس رفعه ‏"‏ لا تمار أخاك وتمازحه ‏"‏ الحديث، والجمع بينهما أن المنهي عنه ما فيه إفراط أو مداومة عليه لما فيه من الشغل عن ذكر الله والتفكر في مهمات الدين ويؤول كثيرا إلى قسوة القلب والإيذاء والحقد وسقوط المهابة والوقار، والذي يسلم من ذلك هو المباح، فإن صادف مصلحة مثل تطيب نفس المخاطب ومؤانسته فهو مستحب، قال الغزالي‏:‏ من الغلط أن يتخذ المزاح حرفة، ويتمسك بأنه صلى الله عليه وسلم مزح فهو كمن يدور مع الريح حيث دار، وينظر رقصهم، ويتمسك بأنه صلى الله عليه وسلم أذن لعائشة أن تنظر إليهم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ إِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُخَالِطُنَا حَتَّى يَقُولَ لِأَخٍ لِي صَغِيرٍ يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ

الشرح‏:‏

حديث أنس في قصة النغير سيأتي شرحه مستوفى في ‏"‏ باب ما يجوز من الشعر ‏"‏ قريبا إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ مِنْهُ فَيُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِي

الشرح‏:‏

حديث عائشة ‏"‏ كنت ألعب بالبنات ‏"‏ ومحمد شيخه فيه هو ابن سلام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان لي صواحب يلعبن معي‏)‏ أي من أقرانها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يتقمعن‏)‏ بمثناة وتشديد الميم المفتوحة وفي رواية الكشميهني بنون ساكنة وكسر الميم ومعناه أنهن يتغيبن منه ويدخلن من وراء الستر، وأصله من قمع التمرة أي يدخلن في الستر كما يدخلن التمرة في قمعها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فيسربهن إلي‏)‏ بسين مهملة ثم موحدة أي يرسلهن‏.‏

واستدل بهذا الحديث على جواز اتخاذ صور البنات واللعب من أجل لعب البنات بهن، وخص ذلك من عموم النهي عن اتخاذ الصور، وبه جزم عياض ونقله عن الجمهور، وأنهم أجازوا بيع اللعب للبنات لتدريبهن من صغرهن على أمر بيوتهن وأولادهن‏.‏

قال وذهب بعضهم إلى أنه منسوخ، وإليه مال ابن بطال، وحكى عن ابن أبي زيد عن مالك أنه كره أن يشتري الرجل لابنته الصور، ومن ثم رجح الداودي أنه منسوخ، وقد ترجم ابن حبان الإباحة لصغار النساء اللعب باللعب، وترجم له النسائي إباحة الرجل لزوجته اللعب بالبنات فلم يقيد بالصغر وفيه نظر‏.‏

قال البيهقي بعد تخريجه ثبت النهي عن اتخاذ ‏"‏ الصور ‏"‏ فيحمل على أن الرخصة لعائشة في ذلك كان قبل التحريم وبه جزم ابن الجوزي‏.‏

وقال المنذري إن كانت اللعب كالصورة فهو قبل التحريم وإلا فقد يسمى ما ليس بصورة لعبة، وبهذا جزم الحليمي فقال‏:‏ إن كانت صورة كالوثن لم يجز وإلا جاز، وقيل‏:‏ معنى الحديث اللعب مع البنات أي الجواري والباء هنا بمعنى مع حكاه ابن التين عن الداودي، ورده‏.‏

قلت‏:‏ ويرده ما أخرجه ابن عيينة في ‏"‏ الجامع ‏"‏ من رواية سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عنه عن هشام بن عروة في هذا الحديث ‏"‏ وكن جواري يأتين فيلعبن بها معي ‏"‏ وفي رواية جرير عن هشام ‏"‏ كنت ألعب بالبنات وهن اللعب ‏"‏ أخرجه أبو عوانة وغيره‏.‏

وأخرج أبو داود والنسائي من وجه آخر عن عائشة قالت‏:‏ ‏"‏ قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر ‏"‏ فذكر الحديث في هتكه الستر الذي نصبته على بابها قالت‏:‏ ‏"‏ فكشف ناحية الستر على بنات لعائشة لعب فقال‏:‏ ما هذا يا عائشة، قالت‏:‏ بناتي‏.‏

قالت‏:‏ ورأى فيها فرسا مربوطا له جناحان فقال‏:‏ ما هذا‏؟‏ قلت فرس‏.‏

قال فرس له جناحان‏؟‏ قلت‏:‏ ألم تسمع أنه كان لسليمان خيل لها أجنحة‏؟‏ فضحك ‏"‏ فهذا صريح في أن المراد باللعب غير الآدميات‏.‏

قال الخطابي‏:‏ في هذا الحديث أن اللعب بالبنات ليس كالتلهي بسائر الصور التي جاء فيها الوعيد‏:‏ وإنما أرخص لعائشة فيها لأنها إذ ذاك كانت غير بالغ‏.‏

قلت‏:‏ وفي الجزم به نظر لكنه محتمل، لأن عائشة كانت في غزوة خيبر بنت أربع عشرة سنة إما أكملتها أو جاوزتها أو قاربتها‏.‏

وأما في غزوة تبوك فكانت قد بلغت قطعا فيترجح رواية من قال في خيبر، ويجمع بما قال الخطابي لأن ذلك أولى من التعارض‏.‏

*3*باب الْمُدَارَاةِ مَعَ النَّاسِ

وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ إِنَّا لَنَكْشِرُ فِي وُجُوهِ أَقْوَامٍ وَإِنَّ قُلُوبَنَا لَتَلْعَنُهُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب المداراة مع الناس‏)‏ هو بغير همز، وأصله الهمز لأنه من المدافعة، والمراد به الدفع برفق‏.‏

وأشار المصنف بالترجمة إلى ما ورد فيه على غير شرطه واقتصر على إيراد ما يؤدي معناه، فمما ورد فيه صريحا لجابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ مداراة الناس صدقة ‏"‏ أخرجه ابن عدي والطبراني في الأوسط، وفي سنده يوسف بن محمد بن المنكدر ضعفوه‏.‏

وقال ابن عدي‏:‏ أرجو أنه لا بأس به، وأخرجه ابن أبي عاصم في ‏"‏ آداب الحكماء ‏"‏ بسند أحسن منه، وحديث أبي هريرة ‏"‏ رأس العقل بعد الإيمان بالله مداراة الناس ‏"‏ أخرجه البزار بسند ضعيف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويذكر عن أبي الدرداء‏:‏ إنا لنكشر‏)‏ بالكاف الساكنة وكسر المعجمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم‏)‏ كذا للأكثر بالعين المهملة واللام الساكنة والنون، وللكشميهني بالقاف الساكنة قيل اللام المكسورة ثم تحتانية ساكنة من القلا بكسر القاف مقصور وهو البغض، وبهذه الرواية جزم ابن التين، ومثله في تفسير المزمل من ‏"‏ الكشاف‏"‏‏.‏

وهذا الأثر وصله ابن أبي الدنيا وإبراهيم الحربي في ‏"‏ غريب الحديث ‏"‏ والدينوري في ‏"‏ المجالسة ‏"‏ من طريق أبي الزاهرية عن جبير بن نفير عن أبي الدرداء فذكر مثله وزاد ‏"‏ ونضحك إليهم ‏"‏ وذكره بلفظ اللعن ولم يذكر الدينوري في إسناده جبير بن نفير، ورويناه في ‏"‏ فوائد أبو بكر بن المقري ‏"‏ من طريق كامل أبي العلاء عن أبي صالح عن أبي الدرداء قال‏:‏ ‏"‏ إنا لنكشر أقواما ‏"‏ فذكر مثله وهو منقطع، وأخرجه أبو نعيم في ‏"‏ الحلية ‏"‏ من طريق خلف بن حوشب قال قال أبو الدرداء فذكر اللفظ المعلق سواء، وهو منقطع أيضا والكشر بالشين المعجمة وفتح أوله ظهور الأسنان، وأكثر ما يطلق عند الضحك، والاسم الكشرة كالعشرة قال ابن بطال‏.‏

المداراة من أخلاق المؤمنين، وهي خفض الجناح للناس ولين الكلمة وترك الإغلاظ لهم في القول وذلك من أقوى أسباب الألفة‏.‏

وظن بعضهم أن المداراة هي المداهنة فغلط، لأن المدارة مندوب إليها والمداهنة محرمة، والفرق أن المداهنة من الدهان وهو الذي يظهر على الشيء ويستر باطنه، وفسرها العلماء بأنه معاشرة الفاسق وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه، والمداراة هي الرفق بالجاهل في التعليم وبالفاسق في النهي عن فعله، وترك الإغلاظ عليه حيث لا يظهر ما هو فيه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل، ولا سيما إذا احتيج إلى تألفه ونحو ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ حَدَّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ ائْذَنُوا لَهُ فَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ أَوْ بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ فَلَمَّا دَخَلَ أَلَانَ لَهُ الْكَلَامَ فَقُلْتُ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْتَ مَا قُلْتَ ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ فِي الْقَوْلِ فَقَالَ أَيْ عَائِشَةُ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ تَرَكَهُ أَوْ وَدَعَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ

الشرح‏:‏

حديث عائشة ‏"‏ استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال‏:‏ ائذنوا له فبئس ابن العشيرة ‏"‏ وقد تقدم بيان موضع شرحه في ‏"‏ باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد‏"‏، والنكتة في إيراده هنا التلميح إلى ما وقع في بعض الطرق بلفظ المداراة‏.‏

وهو عند الحارث بن أبي أسامة من حديث صفوان بن عسل نحو حديث عائشة وفيه‏:‏ ‏"‏ فقال‏:‏ إنه منافق أداريه عن نفاقه، وأخشى أن يفسد على غيره‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُهْدِيَتْ لَهُ أَقْبِيَةٌ مِنْ دِيبَاجٍ مُزَرَّرَةٌ بِالذَّهَبِ فَقَسَمَهَا فِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَعَزَلَ مِنْهَا وَاحِداً لِمَخْرَمَةَ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ قَدْ خَبَأْتُ هَذَا لَكَ قَالَ أَيُّوبُ بِثَوْبِهِ وَأَنَّهُ يُرِيهِ إِيَّاهُ وَكَانَ فِي خُلُقِهِ شَيْءٌ رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ وَقَالَ حَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ الْمِسْوَرِ قَدِمَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبِيَةٌ

الشرح‏:‏

حديث المسور بن مخرمة ‏"‏ قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم أقبية ‏"‏ وفيه قصة أبيه مخرمة وقد تقدم شرحه في كتاب اللباس؛ ووقع في هذه الطريق ‏"‏ وكان في خلقه شيء ‏"‏ وقد رمز البخاري بإيراده عقب الحديث الذي قبله بأنه المبهم فيه كما أشرت إلى ذلك قبل، ووقع في رواية مسروق عن عائشة ‏"‏ مر رجل برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بئس‏.‏

عبد الله وأخو العشيرة، ثم دخل عليه فرأيته أقبل عليه بوجهه كأن له عنده منزلة‏.‏

أخرجه النسائي‏.‏

وشرح ابن بطال الحديث على أن المذكور كان منافقا، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مأمورا بالحكم بما ظهر، لا بما يعلمه في نفس الأمر، وأطال في تقرير ذلك، ولم يقل أحد في المبهم في حديث عائشة أنه كان منافقا لا مخرمة بن نوفل ولا عيينة بن حصن، وإنما قيل في مخرمة ما قيل لما كان في خلقه من الشدة فكان لذلك في لسانه بذاءة، وأما عيينة فكان إسلامه ضعيفا وكان مع ذلك أهوج فكان مطاعا في قومه كما تقدم، والله أعلم‏.‏

وقوله في هذه الرواية‏:‏ ‏"‏ فلما جاءه قال خبأت هذا لك ‏"‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ قد خبأت ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ قال أيوب ‏"‏ هو موصول بالسند المذكور، وقوله‏:‏ ‏"‏ بثوبه وأنه يريه إياه ‏"‏ والمعنى أشار أيوب بثوبه ليرى الحاضرين كيفية ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم عند كلامه مع مخرمة، ولفظ القول يطلق ويراد به الفعل، وقوله‏:‏ ‏"‏ رواه حماد بن زيد عن أيوب ‏"‏ تقدم موصولا في ‏"‏ باب فرض الخمس ‏"‏ وصورته مرسل أيضا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال حاتم بن وردان الخ‏)‏ أراد بهذا التعليق بيان وصل الخبر، وأن رواية ابن علية وحماد وإن كانت صورتهما الإرسال لكن الحديث في الأصل موصول، وقد مضى بيان وصل رواية حاتم هذه في الشهادات‏.‏

*3*باب لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ

وَقَالَ مُعَاوِيَةُ لَا حَكِيمَ إِلَّا ذُو تَجْرِبَةٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين‏)‏ اللدغ بالدال المهملة والغين المعجمة ما يكون من ذوات السموم، واللذع بالذال المعجمة والعين المهملة ما يكون من النار، وقد تقدم بيان ذلك في كتاب الطب، والجحر بضم الجيم وسكون المهملة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال معاوية لا حكيم إلا بتجربة‏)‏ كذا للأكثر بوزن عظيم‏.‏

وفي رواية الأصيلي ‏"‏ إلا ذو تجربة‏"‏‏.‏

وفي رواية أبي ذر عن غير الكشميهني ‏"‏ لا حلم ‏"‏ بكسر المهملة وسكون اللام ‏"‏ إلا بتجربة ‏"‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ إلا لذي تجربة ‏"‏ وهذا الأثر وصله أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه عن عيسى بن يونس عن هشام بن عروة عن أبيه قال‏:‏ ‏"‏ قال معاوية‏:‏ لا حلم إلا بالتجارب ‏"‏ وأخرجه البخاري في ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ من طريق علي بن مسهر عن هشام عن أبيه قال‏:‏ ‏"‏ كنت جالسا عند معاوية فحدث نفسه ثم انتبه فقال‏:‏ لا حليم إلا ذو تجربة‏.‏

قالها ثلاثا ‏"‏ وأخرج من حديث أبي سعيد مرفوعا ‏"‏ لا حليم إلا ذو عثرة، ولا حكيم إلا ذو تجربة ‏"‏ وأخرجه أحمد وصححه ابن حبان، قال ابن الأثير‏:‏ معناه‏:‏ لا يحصل الحلم حتى يرتكب الأمور ويعثر فيها فيعتبر بها ويستبين مواضع الخطأ ويجتنبها‏.‏

وقال غيره‏:‏ المعني لا يكون حليما كاملا إلا من وقع في زلة وحصل منه خطأ فحينئذ يخجل، فينبغي لمن كان كذلك أن يستر من رآه على عيب فبعفو عنه، وكذلك من جرب الأمور علم نفعها وضررها فلا يفعل شيئا إلا عن حكمة‏.‏

قال الطيبي ويمكن أن يكون تخصيص الحليم بذي التجربة للإشارة إلى أن غير الحكيم بخلافه، وأن الحليم الذي ليس له تجربة قد يعثر في مواضع لا ينبغي له فيها الحلم بخلاف الحليم المجرب، وبهذا تظهر مناسبة أثر معاوية لحديث الباب، والله تعالى أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن المسيب‏)‏ في رواية يونس عن الزهري ‏"‏ أخبرني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة حدثه ‏"‏ أخرج البخاري في ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ وكذا قال أصحاب الزهري فيه، وخالفهم صالح بن أبي الأخضر وزمعة بن صالح وهما ضعيفان فقالا‏:‏ ‏"‏ عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه ‏"‏ أخرجه ابن عدي من طريق المعافى بن عمران عن زمعة وابن أبي الأخضر، واستغربه من حديث المعافى قال‏:‏ وأما زمعة فقد رواه عنه أيضا أبو نعيم‏.‏

قلت‏:‏ أخرجه أحمد عنه، ورواه عن زمعة أيضا أبو داود الطيالسي في مسنده وأبو أحمد الزبيري أخرجه ابن ماجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يلدغ‏)‏ هو بالرفع على صيغة الخبر، قال الخطابي هذا لفظه خبر ومعناه أمر، أي ليكن المؤمن حازما حذرا لا يؤتى من ناحية الغفلة فيخدع مرة بعد أخرى، وقد يكون ذلك في أمر الدين كما يكون في أمر الدنيا وهو أولاهما بالحذر، وقد روي بكسر الغين في الوصل فيتحقق معنى النهي عنه، قال ابن التين‏:‏ وكذلك قرأناه، قيل‏:‏ معنى لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين أن من أذنب ذنبا فعوقب به في الدنيا لا يعاقب به في الآخرة‏.‏

قلت‏:‏ إن أراد قائل هذا أن عموم الخبر يتناول هذا فيمكن وإلا فسبب الحديث يأبى ذلك، ويؤيده قول من قال‏:‏ فيه تحذير من التغفيل، وإشارة إلى استعمال الفطنة‏.‏

ومال أبو عبيد‏:‏ معناه ولا ينبغي للمؤمن إذا نكب من وجه أن يعود إليه‏.‏

قلت وهذا هو الذي فهمه الأكثر ومنهم الزهري راوي الخبر، فأخرج ابن حبان من طريق سعيد بن عبد العزيز قال‏:‏ ‏"‏ قيل للزهري لما قدم من عند هشام بن عبد الملك‏:‏ ماذا صنع بك‏؟‏ قال‏:‏ أوفى عني ديني، ثم قال‏:‏ يا بن شهاب تعود تدان‏؟‏ قلت‏:‏ لا ‏"‏ وذكر الحديث‏.‏

وقال أبو داود الطيالسي بعد تخريجه‏:‏ لا يعاقب في الدنيا بذنب فيعاقب به في الآخرة، وحمله غيره على غير ذلك‏.‏

قيل‏:‏ المراد بالمؤمن في هذا الحديث الكامل الذي قد أوقفته معرفته على غوامض الأمور حتى صار يحذر مما سيقع‏.‏

وأما المؤمن المغفل فقد يلدغ مرارا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من جحر‏)‏ زاد في رواية الكشميهني والسرخسي ‏"‏ واحد ‏"‏ ووقع في بعض النسخ من ‏"‏ جحر حية ‏"‏ وهي زيادة شاذة‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ وفيه أدب شريف أدب به النبي صلى الله عليه وسلم أمته ونبههم كيف يحذرون مما يخافون سوء عاقبته، وفي معناه حديث ‏"‏ المؤمن كيس حذر ‏"‏ أخرجه صاحب ‏"‏ مسند الفردوس ‏"‏ من حديث أنس بسند ضعيف قال‏:‏ وهذا الكلام مما لم يسبق إليه النبي صلى الله عليه وسلم، وأول ما قاله لأبي عزة الجمحي وكان شاعرا فأسر ببدر فشكى عائلة وفقرا فمن عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأطلقه بغير فداء، فظفر به بأحد فقال من علي وذكر فقره وعياله فقال‏:‏ لا تمسح عارضيك بمكة تقول سخرت بمحمد مرتين، وأمر به فقتل‏.‏

وأخرج قصته ابن إسحاق في المغازي بغير إسناد‏.‏

وقال ابن هشام في ‏"‏ تهذيب السيرة ‏"‏ بلغني عن سعيد بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حينئذ ‏"‏ لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ‏"‏ وصنيع أبي عبيد في كتاب الأمثال مشكل على قول ابن بطال أن النبي - أول من قال ذلك ولذلك قال ابن التين‏:‏ إنه مثل قديم‏.‏

وقال التوربشتي‏:‏ هذا السبب يضعف الوجه الثاني يعني الرواية بكسر الغين على النهي‏.‏

وأجاب الطيبي بأنه يوجه بأن يكون صلى الله عليه وسلم لما رأى من نفسه الزكية الميل إلى الحلم جرد منها مؤمنا حازما فنهاه عن ذلك، يعني ليس من شيمة المؤمن الحازم الذي يغضب لله أن ينخدع من الغادر المتمرد فلا يستعمل الحلم في حقه، بل ينتقم منه‏.‏

ومن هذا قول عائشة ‏"‏ ما انتقم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها ‏"‏ قال فيستفاد من هذا أن الحلم ليس محمودا مطلقا، كما أن الجود ليس محمودا مطلقا، وقد قال تعالى في وصف الصحابة ‏(‏أشداء على الكفار رحماء بينهم‏)‏ قال وعلى الوجه الأول وهو الرواية بالرفع فيكون إخبارا محضا لا يفهم هذا الغرض المستفاد من هذه الرواية، فتكون الرواية بصيغة النهي أرجح والله أعلم‏.‏

قلت‏:‏ ويؤيده حديث ‏"‏ احترسوا من الناس بسوء الظن ‏"‏ أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق أنس، وهو من رواية بقية بالعنعنة عن معاوية بن يحيى وهو ضعيف، فله علتان‏.‏

وصح من قول مطرف التابعي الكبير أخرجه مسدد‏.‏

*3*بَاب حَقِّ الضَّيْفِ

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ قُلْتُ بَلَى قَالَ فَلَا تَفْعَلْ قُمْ وَنَمْ وَصُمْ وَأَفْطِرْ فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقّاً وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقّاً وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقّاً وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقّاً وَإِنَّكَ عَسَى أَنْ يَطُولَ بِكَ عُمُرٌ وَإِنَّ مِنْ حَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا فَذَلِكَ الدَّهْرُ كُلُّهُ قَالَ فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ فَقُلْتُ فَإِنِّي أُطِيقُ غَيْرَ ذَلِكَ قَالَ فَصُمْ مِنْ كُلِّ جُمُعَةٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَالَ فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ قُلْتُ أُطِيقُ غَيْرَ ذَلِكَ قَالَ فَصُمْ صَوْمَ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ قُلْتُ وَمَا صَوْمُ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ قَالَ نِصْفُ الدَّهْرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حسين‏)‏ هو المعلم، وقد تقدم الحديث مشروحا في كتاب الصيام، والغرض منه ‏"‏ وإن لزورك عليك حقا ‏"‏ والزور بفتح الزاي وسكون الواو بعدها راء الزائر، وقد بسط القول فيه في الباب الذي يليه‏.‏